كعادة كبار المخرجين العالميين من صائدي الجوائز في وقتنا الحالي السير مع تيار التوجه العالمي نحو الأفروسنتريزم من جهة أو تشجيع المثلية من الجهة الأخرى
وخير مثال على هذا. الفيلم الياباني وحشا للمخرج كوريئدا هيروكازو و الذي صدر مؤخرا. وحصل الفيلم على جائزة السعفة الذهبية في مهرجان كان أفضل سيناريو. كذلك فاز الفيلم بجائزة كوير بالم، وهي جائزة مستقلة، استحدثت منذ عام 2010، يتم منحها لأفضل فيلم يتناول مسائل تتعلق بالمثلية الجنسية.
والحقيقة أن العمل يستحق التقدير لجودة السيناريو والذي لم يعتمد على السرد النمطي للقصة ولا الدائري وإنما اعتمد على شكل غير معتاد و هو أسلوب حلقي تبادلي . يقوم على تكرار الأحداث من خلال وجهات نظر متباينة لأبطال العمل.
في نفس الوقت يجعلك تتعاطف وتتفق مع كل وجهات النظر في كل مرةرغم اختلافها وهو ذكاء يجعلك تنفتح لتقبل الاختلاف بمنتهى النعومة وأثناء رحلتك في البحث عن هوية هذا الوحش
بطلي القصة طفلان في الصف الخامس .تجمعهما حالة واحدة لكنهما يختلفان في التعامل معها والحالة التي لم يستشفها الكثير ممن شاهدوا الفيلم هي مثلية الطفلين. نعم ولأول مرة يتم التناول في هذه المساحة من خلال الطفولة وقبل سن المراهقة، الطفل الأول وهو ميناتو الذي يعيش مع أمه العزباء والتي تبدا في البحث عن سبب سلوكيات ابنها الغامضة، وأسألته عن الصورة التي سيبعث عليها بعد الموت، لتواجه الأم سلوكيات أكثر غموضاً في مدرسة ابنها، أما صديقه يوري فيعيش مع الأب الذي يصفه دائماً بأنه يحمل رأس خنزير رغم أننا نرى الطفل غاية في الهدوء والوداعة، لنكتشف لاحقاً ان السبب هو ميول ابنه المثلية والتي يحاول الأب علاجها بصورة عنيفة تجعل منه شيطاناً في نظر المشاهد، فهو يرغم طفله على التوجه بمشاعره تجاه الفتيات ولو بالقوة، والسبب في ذلك أن الابن صرح بميوله بحرية فوصفه زملاءه بالمخنث وتنمروا عليه، مما جعل ميناتو يتحاشاه و يتجنب الظهور معه خوفاً من رد فعل من حوله من أطفال وربما الأم نفسها، والتي يسألها دائمأ أسئلة غير مفهومة ، أما اللعبة اللتي يلعبها الصديقان في المكان المعزول الذي اختاراه للعب وهو قاطرة خربة ، يلعبان فيها لعبة ما الوحش وهي أشبه بلعبة عروستي فيصف كل منها الآخر بصفات حيوان يحمل الآخر صورته ولا يراها ، فيصف يوري صديقه بصفات الخنزير لانه لا ينظر للسماء في إسقاط على ما يتصف به من خوف وتردد في التصريح بمثليته والانطلاق بحرية للسماء، اما الآخر فيصفه بالحلزون لأنه طعام الذواقة فرغم نفور الجميع منه إلا أنه يصفه بالرقي، وهنا نرى تشجيعاً للإعلان عن الميول الشاذة بتجميل الطرف المجاهر ، وفي المدرسة كان التشجيع الأكبر من المديرة حينما صارحها ميناتو انه يحب شخصاً ولايستطيع البوح ، لتخبره اثناء تدريبها له على آلات النفخ الموسيقية بانه إن لم يستطع الكلام ، فعليه النفخ بقوة في دعوة أقوى للتصريح بالشذوذ وهو مافعله معلمه حينما عرف فذهب لبيته صارخاً انت لم تفعل شيئاً خطأ ، لينطلق مع الأم بحثاً عنه في العاصفة ووسط انهيار طيني ، لننتقل لوجهة نظر الطفلين أثناء العاصفة ونهاية الفيلم بخروجهما من القاطرة كنهاية قد تبدوا واقعية من جهة وقد نراها سيريالية من جهة أخرى حيث مات الطفلان وسط الوحل وما نراه ماهو إلا روحيهما وقد بعثت كما كانا يعتقدان و يجريان وسط الغابة في حرية، هكذا قدم الفيلم رسالة صريحة للتفاعل و التعاطف مع مثلية الأطفال بل والتصريح بها والتعايش معها والتفاخر دون خجل، بل وتصوير من يرفضها على انه وحش جاهل وفي المقارنة بين الطفلين نراها واضحة في صورة بوستر الفيلم من حركة الطفلين حيث نرى كلاهما يجري لكن يوري يرفع يداه لأعلى كالجناحان بعكس ميناتو الذي ينكسهما للأسفل كناية عن خوفه السابق من الانطلاق بحرية كما يفعل يوري.
محمد فاروق
17/1/2024