تأملات في فيلم المولد


بمشاهدة سطحية لفيلم المولد للمخرج سمير سيف قد نراه عمل تجاري بحت يعتمد على الحركة و الإثارة ، لكن ببعض التأمل في تفاصيل العمل نجد انه حمل الصفة التجارية ولكنه لم يخلو من المضمون الفلسفي شأنه شأن كافة اعمال الكاتب محمد جلال عبد القوي الدرامية ،

حالة المولد

المولد حالة فلسفية شديدة الثراء لتشابهها مع الحياة (مولد يا دنيا ) فكما يهيم الخلق في الدنيا كلٌ يبحث عن مبتغاه من مال أو حب أو سلطة ، فهنا في المولد يهيم الجميع . فهذا يستعرض قوته و هذا يهيم بحب الله و الذكر و هذا يبحث عن قوت يومه بائعاً وآخر يمد يده في جيوب الخلق، وهذه تبحث عن طفلها التائه وهنا هيما الذي يهيم بحثاً عن نفسه لهذا كان له من اسمه نصيب كالأم بركة والأب إدريس اسم يحمل الأصالة و القدم فهو اسم أول الأنبياء بأرض مصر و الذي صرخت بركة عند موته : مات ليه ؟ فأخبرها الصاوي الفلوس أحسن منه يعني ( الدنيا خير من الدين ) ،
اختيار المكان لم يقتصر على المولد فقط بل مكان نشأة هيما في الفاخورة ، فهي من جانب أعمق تعبر عن نشأة الخلق من (صلصال كالفخار ) ، وكما خلق الإنسان من هذا الفخار ، صنعت الطبول التي يتاجر فيها أول شيطان في حياة هيما ، الأب المزيف عاشق الحرام الذي لم يتردد في خطف بركات من أمه ليحوله إلى هيما . ( الضال )

الارتقاء والهبوط

بخروج هيما من الفاخورة يرى الدنيا من هذه النافذة الصغيرة ، متمثلة في امرأة جميلة ديدي (دنيا) و خزانة أموال ، ورغم كراهية هيما للحرام لبقاء جزء من فطرته السليمة لكن الشيطان لا يتوقف عن نغزه، فتأخذه هذه الدنيا الجديدة ليخرج للعالم الفسيح ، فيصعد درجة ويتحول من هيما الذي كان بدون هوية ولا عنوان لإبراهيم السيسي ، وحش صغير ينمو ولكن بنموه يوجد من يحسده لأنه سيهبط بالتبعية ، والحسد يصل لحد القتل ، وهنا يتحول الوحش الصغير لكبير يعرف الانتقام بلا رحمة ، فيتحول من السيسي إلى غريب، فهو نموذج للثري بلاسبب ، و دون معرفة مصدر أمواله،

العودة

بزيادة سطوة هيما يزداد أعداءه و تزداد المؤامرات خطورة ، لكن بحث هيما عن ذاته لا يتوقف وتطارده ذكرى المولد و الضياع فبداخله دائما هذه الفطرة السليمة المتمثلة في أمه فلابد لبركات أن يعود لبركة ، لكنها ترفض عودته لهابكل ما أصابه من قذارة وأن ما بناه من دنيا (العمارة ) كان سببًا في موت إدريس فلابد ان يتطهر ليعود بركات ابن إدريس و بركة .

النهاية

صرح الكاتب محمد جلال عبد القوي أن نهاية الفيلم كانت سببًا في اعتزاله الكتابة للسينما ، حيث أن معايير السينما تختلف عن الدراما و معاير النجم عادل إمام تختلف فالزعيم لا يموت في نهاية الفيلم ولا يعاقبه أحد ، مما اضطر الكاتب لتغيير النهاية لترضي الجمهور ، فبدلاً من معاقبة هيما على جرائمه كان الانتقام من أعداءه ، و ضياعهم هائمين ليقرر العودة بزوجته لحضن أمه في كفر بركة . مع احتمالات كثيرة و مفتوحة للعقاب أو الانتقام .

محمد فاروق
٣ / ٨ / ٢٠٢٣