الرشة الجريئة المظلومة

في عام ٢٠٠١ صدر فيلم رشة جريئة للمخرج سعيد حامد و السيناريست ماهر عواد ،
في رأيي أن الفيلم لم يحظى بما يستحقه من تقدير بسبب جرأته وهنا يجب أن نعرف ما المقصود بالرشة الجرييئة
الرشة قصد بها صناع الفيلم ، العمل ذاته فهو فيلم ساخر لكنه يحتوي جرأة في مواضيع لم يسبقه غيره فيها ،
فالرشة هنا هي التمثيل وهذا ما وصفته ميما لسلماوي عندما قالت له - فاتحةً ستارة المسرح - عيل صغير عمل صوابعه كداهو مسدس وقال لصاحبه طريخ طراخ قام صاحبه طاوعه وساق له فيها وعمل له ميت وأهله قالوا دا طخه طخ يعني كدا و كدا ،
وهو أيضاً ما وصفته عنما سألته هي الرشة الأخيرة دي جد ولا ؟ فأخبرها كدا و كدا ،

الفيلم يعتبر اول بطولة لياسمين وهو ما وضعها على سلم النجومية بتلميع إمكانياتها ويعتبر من أهم أعمال أشرف عبد الباقي كموضوع و تناول سينمائي
أما عن المواضيع الجريئة بالفيلم فتظهر من بداية رحلة سلماوي مع لجان الاختبار في معهد التمثيل كما أطلق عليه صناع العمل تجنباً لأي مشاكل فتبدأ بتعنت أعضاء اللجنة مع الطلاب لدرجة إعادة المحاولة لعدة سنوات، ثم تأتي الكارثة الأكبر عندما تأتي ميما في عامها الثاني وقد عرفت سر اللعبة فتبدأ بإغراء اللجنة ليتحول رأيهم بانها أصبحت أكثر نضجاً ليتصارعوا عليها فتلوذ بالفرار
يتناول الفيلم أيضاً موضوع ارتداء الأقنعة في المجتمع و منها ما حدث في المسرح عندما غضب أحد المتفرجين بسبب ارتداء سلماوي ثوب الخادمة فقام ليخطب في وسط الجمهور التشبه بالنساء حرام راعوا الله فيما تقدمون فخجل سلماوي لتخبره ميما بأصول اللعبة " هو مكانش يقصدك انت هو كان عايز يسمع اللي حواليه كان عايز يقول ان هو اللي عنده مبادئ وأخلاق والباقيين معندهمش ، هو عمل شريف و عفيف وانت عملت خجول و حساس نبقى خالصين ،
والحقيقة أن كلماتها أصابت كبد الحقيقة سابقة عصرها قبل ان تغزوا مواقع التواصل حياتنا لنجد هؤلاء الخطباء أمامنا كل ساعة اتقوا الله بلاش إسفاف بلاش تفاهة و تجد صفحات مزخرفة بالآيات و الحكم ، و مع أول حوار لا تجد أمامك سوى كتلة من التفاهة و الجهل و السطحية و ربما المجون تختفي خلف هذه الصفحات المزخرفة بالأقوال المأثورة،

يأتي بعد ذلك تناول المرحلة الأصعب و هي التطرف الديني و حرق المسرح بالمولوتوف إشارة لحادثة أسيوط عام ١٩٨٨التي تلتها زيارة لعادل إمام بعرض مجاني لمسرحية الواد سيد الشغال تضامناً مع شباب المسرح بالقرية ،
السخرية الأكبر في الفيلم هي المشهد البارودي لفيلم غزل البنات مع استبدال محمد عبد الوهاب بشعبان عبد الرحيم و تقديمه كنجم القمة في زمانه دليلاً على تدني الذوق والمستوى الفني في هذا الزمان .
التناول الأجرأ على الإطلاق و المنفرد به الفيلم هو (المخرج العالمي) كما وصفه سلماوي لأبيه ،
المخرج الذي يخبر الجميع من المتقدمين للعمل معه صراحة لازم نلجأ لحركات التفاف غريبة و قذرة لأن نبل الغاية يغني عن شرعية الوسيلة ،
المخرج الذي يخبر سلماوي أن بداخله مسخ مشوه عاجز ( إشارة لقناوي في باب الحديد ) ثم يدعي أن الجميع لا يفهمه ، لتأتي بعدها الإشارة الصريحة لميوله المثلية عند تحرشه بسلماوي في المسبح ، وهنا يكتشف أن الجميع يعرفون إلا هو .

وأخيراً فالشخص الموازي لشخصية سلماوي طوال الرحلة هو الشرطي بنموذج كوميدي يفتقر للذكاء لدرجة اتهام الممثلين بالإرهاب بسبب ملابسهم وهتافهم و تمسكه باتهام جواني حتى بعد خلعه اللحية قائلاً له "ولو"
نستخلص من ذلك أن الرشة الجريئة تناولت كلاً من ؛ الوساطة في الفن، المتظاهرين بالورع، المتطرفين دينياً،الفن الهابط، المخرج العالمي، والشرطة.
ربما كانت الجرأة في العرض و التناول هي سبب ظلم هذا العمل و عدم عرضه بشكل كاف ، و ربما كان بسبب كثرة الأعمال الصادرة معه في نفس العام

محمد فاروق
28/08/2323